خالد بن سعد الشنفري
بداية أرجو أن تشفع لي أكثر من 60 عامًا عشتها وعايشت فيها مجتمعي وثلاثة أجيال عاصرتها من أجيال هذا المجتمع خلال حياتي، أن أهمس في أذن شبابنا ببعض من تجاربي المتواضعة وملاحظاتي، علَّهم منها يستفيدون وهذه هي سنن الحياة نتناقلها جيلًا بعد جيل، لن أتجاوز هنا محورين رئيسين اثنين؛ هما: الجوامع والمساجد، وقاعات المناسبات والأفراح.
المسجد كان محور حياتنا في الماضي ولازال والحمد لله ولكن مع الفارق، ومع أنَّ الفارق قد يكون خيرا إلا أنه علينا أن ننظر له انطلاقًا مما قبله لأنه في النهاية بناء عليه، أما البدع والابتداع؛ فممقوتة دينيا وأخلاقيا إلا في المبتكرات والاكتشافات العلمية، أما حياتنا الاجتماعية فهي تجارب تُبنى على بعض.
كانت الصورة التي انغرست في أذهاننا منذ الصغر أن الصفوف الأولى في المساجد سواءً للصلاة أو في مناسبات عقود النكاح أو العزاء شبه مُحرمة علينا، ليس ونحن الأصغر سناً وشباباً فقط؛ بل وحتى عندما أصبحنا رجالا متزوجين ولدينا أبناء، كانت وجوه كبارنا في الحي أو المنطقة مرتبطة في أذهاننا بالصفوف الأولى؛ سواء من تربع منهم واستند بظهره على الحائط الغربي للمسجد أو قابله في الصفوف الأولى التي تليه، لقد كانوا قدوتنا في كل شيء، منهم نستمد حتى أسلوبهم في النظرات والحركات والكلمات ونتعلم ونتأدب من ذلك، لذلك كانت تنتقل بيننا من جيل إلى جيل بدون تخطيط مسبق أو جهد يذكر من أي طرف، إنما هي الفطرة الأخلاقية السمحة لمجتمعنا والتي كانت واضحة ومنحتنا السكينة والمودة والرحمة والمحبة بيننا كمجتمع يحترم صغيره كبيره ويعطف كبيره على صغيره.
من الظواهر المحمودة اليوم في شبابنا أننا أصبحنا نراهم بكثافة في عزاءاتنا، أما في الأفراح والأعراس فحدِّث في ذلك ولا حرج وهو أمر طبيعي؛ فالعريس من سنه وهو إما قريب أو جار أو زميل دراسة أو عمل ومشاركته له حق وواجب.
أمام هذا التغيير وقد أصبح شبابنا في هذا الوقت مشاركا بكثافة مشاركة محمودة وملحوظة في هاتين المناسبتين المهمتين، فحياتنا لم تكن كذلك بهذه الصورة فيما سبق وهذا أمر له أسبابه يفهمها أكثر المختصون في علم الاجتماع والعلوم النفسية الاجتماعية.
أوصي شبابنا الخلوق الحيي أن يراعوا إفساح المجال للكبار؛ سواء في الجوامع أو المجالس لتكتمل صورتنا الطيبة عنهم مع حميد خصالهم خصوصا أن الشباب وهم يتمتعون بكامل طاقتهم الجسدية والبدنية بعكس الأكبر سنًا، الذي حتى الجسد لم يعد يعينه ولا يسمح له السن والوقار أن ينافسه من هو في سن ابنه على مقعد أمامي، ولن أطيل هنا أكثر من ذلك، فثقتي في شبابنا كبيرة بأنهم قد فهموا ما أرمي إليه إنما هو من باب التذكير فقد تغيب عنا أشياء في ظل هذا التغير السريع في أنماط حياتنا التي فرضت علينا فرضا ونمشيها خطا مضطرين لكي نعيش ومن كتبت عليه خطى مشاها.
ختامًا.. أترحم على أمير الشعراء وأمير الأخلاق أحمد شوقي، وأخص بالذكر هنا وبالمناسبة شابًا دمثًا خلوقًا من أبنائنا نراه يتنقل في مناسباتنا كالنحلة ليمسك بيد رجل كبير ليُجلسه في مجلس يليق به؛ فشكرًا لابننا البار عمار بن عبد الله محمد عامر الشنفري، وهذا ليس بغريب عليه فقد استمده من أبٍ فاضل ومن جده لأمه رجل الكرم والمواجيب سعادة الشيخ سالم بن عوفيت الشنفري حفظه الله وأطال بعمره، وأتمنى على شبابنا الاقتداء به وهم كُثر والحمد لله.